رياضة تونس تلقّن «درسا» في الديمقراطية لفرنسا وللولايات المتحدة الأمريكية !
تهافت وتكالب على السلطة، سباق محموم وغير مسبوق على الكراسي، وشعب مذهول من ارتفاع عدد المترشحين لخوض معركة الانتخابات الرئاسية.. تلك هي صورة الواقع المعيش في بلادنا اليوم ونحن نستعد لخوض تجربة انتخابية جديدة يتوقّف عليها استقرار تونس ومستقبلها وأمنها.
اليوم، اختلط الحابل بالنابل وأصبح كل من هب ودب يلهث وراء كرسي قصر قرطاج إلى درجة أصبحنا فيها مدعاة للتهكّم نتيجة هذا الوضع الذي وجدنا أنفسنا فيه ونتيجة لمستوى المترشحين لرئاسة تونس. تونس علّيسة، تونس ابن خلدون، تونس أبو القاسم الشابي، تونس الطاهر الحداد، تونس فرحات حشاد، تونس الزعيم بورقيبة..
ولاشك في أن هناك من يعتبر ارتفاع عدد المترشحين للانتخابات الرئاسية بهذا الشكل يُعدّ مؤشرا إيجابيا ودليلا على الممارسة الديمقراطية التي تعيشها البلاد.. والحقيقة أن مثل هذا الكلام مردود على أصحابه لأن الديمقراطية هي ممارسة وهي ثقافة وتربية وسلوك وليست إنتهازية واستغلالا وغنيمة.. ثم متى كانت الديمقراطية تُقاس بعدد المترشحين لانتخابات الرئاسة؟! فلو كانت هذه الديمقراطية أرقاما لترشّح لانتخابات الرئاسة الأمريكية ألف شخص أو أكثر وليس مرشّحين إثنين باعتبار أن عدد سكان أمريكا يفوق 250 مليونا نسمة بالتمام والكمال!! ولو كان الأمر كذلك لتجاوز عدد المترشحين للرئاسة بفرنسا المائة وخمسون مترشحا خاصة وأن سكانها في حدود 65 مليون نسمة..
إن وصول عدد المترشحين للرئاسة إلى 70 مترشحا وتجاوز عدد المترشحين للانتخابات التشريعية 1500 مترشحا في بلد يعدّ فقط 10 ملايين نسمة يُعتبر أمرا مثيرا للإستغراب والدهشة، ويُعبّر عن عقلية ماانفكّت تترسّخ لدى عدد لا بأس به من الناس وهي عقلية النفوذ والسلطة، حيث يسعى كل شخص إلى ممارسة نفوذه والظهور دائماً في موقع المسؤول أو صاحب القرار سواء تعلّق الأمر برجل السياسة أو حتّى المواطن العادي.. هذا المواطن الذي بات يشعر بدوره أنه فوق القانون، بل هو القانون بعينه!! يكفي أن يغضب على قرار أو إجراء إداري اتخذه المدير العام في مؤسسته فيسارع مع مجموعة من زملائه إلى تعطيل سير العمل ورفع عبارة «dégage» في وجه المسؤول، ويكفي هذا المواطن أن يتذكّر نقائصه وانعدام مرافق في مدينته أو قريته أو حيّه ليسارع مع مجموعة من المتساكنين إلى قطع الطريق وشلّ حركة المرور.. يفعل ذلك لأنه يشعر أنه قادر على أن يحكم ويفعل ما يشاء دون حسيب أو رقيب، قال «شنوّة، قيّد على الثورة».. وبالتالي أصبح كل فرد يشعر أنه سلطة في حد ذاته وأنه الأفضل والأكفأ والأحسن في البلاد التي لم تخلق لا قبله ولا بعده.. والدليل أن عددا من الذين تقدّموا بترشحاتهم للانتخابات الرئاسية خرجوا علينا في العديد من المنابر ليجزم كل واحد منهم بأنه فوق المنافسة وأن فوزه على بقية المتنافسين سيكون ساحقا وأن فلان «ما يلعبوش» وبأنه لا يوجد من هو قادر على منافسته وغير ذلك من التصريحات التي تؤكّد بأن مرض السلطة عشعش في أذهانهم وأعمى بصيرتهم فأصبحوا لا يرون إلا أنفسهم ولا يفكّرون سوى في دخول قصر قرطاج، والحال أن هناك منهم من ليس قادرا بأن يكون معتمدا في إحدى المعتمديات مع احترامنا الشديد للسادة المعتمدين، ولكن مادام كل شيء أصبح مستباحا في البلاد لم يعد غريبا أن نشاهد هذه المهازل وهذه الترشحات التي أعادتنا بعضها إلى عصور التخلف والجاهلية..
إن فهمنا الخاطئ للديمقراطية أوجد العديد من الإشكاليات في حياتنا وسلوكياتنا اليومية وعلى رأس قائمة هذه الإشكاليات موضوع الحرية.. فالحرية الفردية المطلقة والمنفلتة قدّمت لنا أناسا مصابون بالنهم والجشع ومفرطين في الأنانية وهو ما أدّى إلى التسلُط والتلاعب والفساد بكل أنواعه المالي والإقتصادي والسياسي والإجتماعي، لذلك سعى ويسعى المستفيدون من هذا الوضع و»المستكرشون» الجدد إلى إضعاف سلطة الدولة بكل الطرق بهدف تثبيت هذه الحرية المطلقة.. وبالتالي يمكن القول إن هؤلاء هم أعداء الحرية وأعداء الديمقراطية، همّهم الوحيد مصالحهم الشخصية وآخر اهتماماتهم الشعب التونسي والدولة التونسية.
لذلك تبقى مسؤولية الشعب خطيرة وجسيمة لحماية وطنه ومستقبل أبنائه من أولئك الذين يبيعون لنا الأوهام ويخدعوننا بمعسول الكلام من المتطرفين وأصحاب المال الفاسد وطيور الظلام.
بقلم: عادل بوهلال